عن عِشرة المجهول وأمور مُلحة تحصل

لا للضحايا.

منذ أن تركت لبنان، تقريبا 6 أشهر، لم احلم بالانهيار، يلتزم عقلي بصورة مقسومة عنه: البيت في بيروت، أو البيت في حمّانا، يقسم عقلي الأماكن كالتالي: في بيروت، تحصل كل المواجهات المؤجّلة فيه، خطابات سياسية وأخلاقية أقوم بها ضد مجهولين أحيانا ومعلومين أحيانا كثيرة.

 في بيت حمّانا، تحصل الرّغبات كُلها، المعجزات، السحر، وارى الممكن العجيب، أنا وسيدي قمر حيّفا في الحديقة عم نشوف دود القزّ ينتج خيط حرير ذهبي، سيدنا الخضر خلف الضّباب، وكل من أحب، وكل من سأحب.

 مبارحة أول مرّة أحلم بالانهيار.

 قال أخدت السيارة ع محطة البنزين يلي على أول حمّانا وقلتلّو فوّلّي ياها، صار يتمسخر عليّ مع شباب المحطة وبعدين قالي بس فيه يعبّي ب ميتين ألف، بعدين قلتلو سوري بس انا منّي من هون، الي بس يومين راجعة.  وصار يتضحك إني طلعتلو غالون يعبّي فيه.

إذن، دفاعاتي تنهار، وصار عقلي عم يتمنّيك عليّ، شو أخرة الحنين؟ مسخرة.

لم الحق عصّر الطوابير الطويلة على محطات البنزين، ولا قطع الكهرباء الطويل، والإنترنت طول عمره بطيء بعلّ القلب. ما لحقّت أعمل طقوس الانهيار، منذ زمن وأنا أعلم أن لدي حساسية بأن أصنف كضحية، غالبا ما كنت رح فوت بالطقوس. بيروت قبل الانهيار كانت أصلا عبارة عن مدينة بقلب مسابقة لمن سيربح موقع الضحيّة؟ بالعقلية اللبنانية، الضحية إذ ذا نيو امتياز، وطبعا ما ننسى محاكمات الامتياز التي تمتد على طول الخطاب العام. إذا انقطعت الكهرباء عن طريق الجديدة ساعة، ما لازم نق، لأن في وحدة ساكنة بشي محلّ ما اجت الكهرباء عندهن من 5 أيام. عطول بفكّر انو يمكن في ناس متلي كتير كمان بيرفضوا يكونوا ضحايا، فمنقعد منتفرج على المسابقة، يلي عطول بيربح فيها اللبناني، أنا هيك بحسّ، على طول بيطلع إنو نْجرح شعور حدا مهم كتير، ليش مهم وكيف مهم ما حدا بيعرف. فكروا معي، بأخر سنة، مين يلي طلع ضحية أكتر شي؟

مرات كتير كان يخطر عبالي علّق يافطات بالشوارع،” الرّجاء من المواطنين الكرام الانتباه الى الامتيازات” على سبيل السخرية، ولكن السخرية هي ارض المهزومين. يا ريت بعرف انهزم، ويا ريت بعرف سدّ بوزي وخلّص، وكل حكيّ يكون سوري انا برفلجد بأوروبا، وخلصّ. بس ما فيني، ضلّيت بيروت تقتل فيّ كأني صرصور بس ما متت، قلبت على ضهري وبعدين هربت، ولكن بعتقد هاي السنة هي عودة الصرصار، مش عودة حرفية، ومش صرصار، كل رجعة حرفية رح تكون عودة الفراشة (أنا) الى حمّانا. قصدي رجعة لعلاقة مع بيروت، وطز بكل حدا مفكر علاقتنا فيها مشروطة بعيشنا فيها.

عندي حاجة كبيرة احكي عن بيروت وتجارب وتاريخ مشترك، بس طول الوقت بحس أنو الناس أخدة موقع الضحية، ما فينا نحكي عن العنف داخل العمل السياسي لأن الشب رفيقنا واصلا مضايق لأن خسر مصرياته، ما فينا نحكي عن عنصرية 17 أكتوبر لأن هيدي سياسة هوية ومش وقتها، ما فينا نحكي شوي على الممارسات السياسية لأن في عنف وردات فعل عنيفة. ما فينا نحكي عن وجود غير صحي للسّموم في الأوساط وتأثيرها على قرارات سياسية لأن منطلع شرطة تهذيب وما منفهم التروما.

ما فينا نحكي عن الاستعراض السياسي لأن بيطلع غيرة وحسد على أساس انو نحنا باستديو الفن. يعني هيدا موقع الضحية ما في يكون بغطي كل شي، كلنا ضحايا النظام الطائفي اللبناني، بس هيدا جزء من هويتنا كأفراد، أكيد كبشر عنّا أبعاد تانية، يعني مثلا إذا في واحد هون مؤيدي الثورة ونسرقوا مصرياتوا كمان من البنك وبنفس الوقت سرق مصاري العاملة الأجنبية، شو بكون؟ قصدا ما رح اكتب مثل عن 8 اذار.

 عندي حاجة كمان نحكي عن مشاعر الرجال بعلاقتنا كنسويات مع بعض. يعني شخصيا ثلاث إرباع توتراتي الشخصية مع صديقات وناشطات من الثورة لهلق كانت متعلقة بمشاعر رجال اتضايق انو ما أخد مساحة بتعمله ديك، وين منعمل هل حديث وعلى الأقل كيف منشيل مشاعر الرجال المجروحة على طول من علاقتنا ومساحاتنا النسوية، وعندي حاجة احكي عن كيف فاتت هل مشاعر؟

 عندي حاجة احكي عن كلمة لاجئين، وأكيد أهلا وسهلا باللاجئين، بس كمان أحسن بعتقد أهلا وسهلا بالسوريين، وآهلا وسهلا بالفلسطينيين. ما فينا نتعامل مع هويات الناس كقنابل بحاجة إنو ننزع فتيلها قبل، والاهم من ذلك، افهم هلعلاقة المتوترة مع القضية الفلسطينية وإصرار كتير عالم على التعامل معها كامتداد للمنظمة. سمير جعجع اخد فرصة ليتغير بس مخيم شاتيلا برجّع الحرب الأهلية؟

وين ومع مين فيني احكي عن هل القصص؟ كلنا ضحايا، بس إلا ما يكون في نص ساعة بنهارنا في قدرة نسترجع شي من حالنا. بس كمان عندي أسئلة عن كيف منتحدى بعض، انو حدا يقول لمخرج ما بلا هلمشهد (اكشلي بلا هل فيلم )، محرر ينتبه انو نفس المقال صارت مكتوبة 10 مرات، كذبة صارت مكشوفة، قصّة صارت قديمة،عادة صارت مش حلوة. عندي حاجة نشيل الثنائية الهبلة تبع برا وجوا، ضحايا أو جلاد.

،لا للضحايا كموقع سياسي، لا للضحايا كخط تحرير، كخط دفاع

نعم للضحايا كمرحلة، احساس عابر، موقع مؤقت، حاجة للنكران، طريق للغضب